فكره وفلسفته



     قدم الدكتور محمد الصافي تفسير جديد للتاريخ، المتمثل بــ (نظرية النبض الكلي) التي ترفض التفسير المادي له، وتكشف عن طبيعة حركته الصادرة من حي قيوم، يهب الحياة والقيومية لكل ما في الوجود، في كل حين وثانية، ضمن قانون انسجام وتوازن كلي بديع، للكون كله.

      يؤمن الصافي بحيوية الحضارة الإسلامية، التي تحكمها حركة التضاد والتدافع. وينتقد قراءة كل من محمد عابد الجابري ومحمد اركون للتاريخ الإسلامي وحضارته، من ناحية (المنهج البنيوي) الذي يرى أنه استخدم لهدم وتشويه التراث العربي الإسلامي والحط من شأنه، واستبدال فكره المرتبط بـ "الرسالة السماوية" بالفكر الأوروبي الوضعي. يقول في ذلك: "(..) حكمت سنة التدافع والتضاد التاريخ السياسي والحضاري للمسلمين، حيث تداولت المذاهب الإسلامية في الحكم والدول. والحقيقة أن اختلاف البشر من سنن الحياة والكون والطبيعة، وعظمة الإسلام هو في قبوله للسنن الإلهية واِحتوائه لها. (..) كانت الأوضاع التاريخية المتتابعة عاملًا مهمًا في ظهور العلوم الإسلامية المختلفة، فكانت الفتنة والاختلاف والتغيرات دافعًا للحفاظ على أحاديث النبي ﷺ وتمييز الصحيح منها من الموضوع، وكانت حاجة المجتمع المسلم المتغيرة دافعًا لظهور علم الفقه والمذاهب الفقهية، في ظل الاختلاف حول النصوص "ظنية الدلالة" أو "ظنية الثبوت". وكان طغيان المادية، وحب الدنيا، واختفاء مظاهر السنة دافعًا لظهور "علم التصوف" وطرق التربية الروحية، كما كان تحدي الفكر المسيحي والفكر الهندي. وكان اختلاف المسلمين في قضايا (الإمامة، والقضاء، والقدر، والصفات) دافعًا لظهور علم الكلام ومدارسه الفكرية المختلفة، (..) طبيعة حركة التاريخ الإسلامي هذه تدافعيه، وهي ليست على منهج هيجل في الجدل، إذ لا نفي فيها، بل جميع المدارس والفرق لا زالت حتى اليوم تتواجد ولو بأحجام مختلفة، استمرارًا لطبيعة التنوع والتعدد في الخلق البشري، ويتميز هذا التاريخ الإيماني باستمرار ظهور المجددين فيه".

     ويرى أن الأمة تعاني اليوم من تزييف الوعي في كل العلوم الإسلامية تقريبًا. فعلى سبيل المثال استهدف علم القرآن بالتفسير المضاد للنص الصريح وللسنة، والحديث النبوي بالطعن والحط والتشكيك به، والدعوة للاكتفاء بالقرآن دونه، بينما هو شارح ومطبق ومفسر له، والمصدر الثاني للتشريع. وتعرض علم الفقه بالدعوة إلى إلغاء المذاهب الإسلامية، تحت ذريعة تفريقها بين المسلمين، بينما هي مناهج لاستنباط الأحكام الشرعية، لا معتقدات يتم التعصب والتمذهب الشديد بها.

    وحول المنهج الإسلامي للتاريخ يشير الصافي إلى أنه منهاج كوني شامل لدراسة التاريخ، رغم افتقاد المناهج المعاصرة إليه، ويبدأ مفهومه من خلق السماوات والأرض. وهو يربط بين حركتي التاريخ والفعل الإنساني، وبين البعدي الطبيعي والغيبي، ويأخذ بكافة العوامل الصانعة للحدث، أهمها: (العامل الغيبي، والعامل الفيزيائي والطبيعي).

    وفي كتابه إنهيار الرأسمالية (الفوضى القادمة)، طرح رؤيته في مستقبل الحضارة الغربية الرأسمالية من الناحية التاريخية والاقتصادية. مبينًا أن خلل الدورة المالية في المجتمع هو العامل الأساس في سقوط النظام البنكي المالي، وبالتالي سقوط الحضارة الغربية برمتها، إضافة إلى انتهاء عمرها التاريخي والحضاري.


تعليقات

المشاركات الشائعة