مناهج المعرفة الغربية وشمولية المنهج الإسلامي

 


مقدمة  :

           في تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب تتعدد أوجه التشابه والاختلاف فيما بينهما ، لكن هناك اختلافا جوهريا في العلاقات الثقافية والعلمية بين الطرفين يطبع نفسه بقوة بين حضارتيهما ، وهو الخلاف في مناهج المعرفة وإشكالات ذلك. وما يترتب عليه من اختلاف الأطروحات الفكرية وتنوعها ، بل وحتى في نوع القضايا والمشاكل التي تحاول معالجتها. كما ترتب على ذلك مخرجات الحضارة نفسها، فما هي هذه المناهج وما الفرق بينهما ، ثم ما نتائج اختلاف هذه المناهج في المعرفة نفسها التي تطبع حضارة الغرب بطابعها وحضارة الإسلام بطابعه الخاص وما يتميز به ؟ وعلاقة كل ذلك بمناهج تفسير التاريخ.

 

أهداف البحث:

                يهدف البحث إلى معرفة وفهم قضية مناهج المعرفة المختلفة والفروق بينها وما يترتب على ذلك من اختلاف الفكر والرؤية وعلاقتها بمناهج تفسير التاريخ، وكذلك المنهج الإسلامي من خلال أصوله الكتاب والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. ومن خلال المقارنة مع مناهج المعرفة الإنسانية الأخرى.

 

المنهج الحسي :

                وهو المعرفة بواسطة الحواس المادية ، مثل السمع والبصر ، ويعتبر فرانسيس بيكون Bacon [1](ت 1626م) رائد هذا المنهج في أوروبا في التاريخ المعاصر، وهو المنهج الذي يعتمد على الملاحظة و المشاهدة والتجربة ، أو ما يسمى بالمنهج التجريبي وأحياناً الاستقرائي ، مع بعض الاختلاف بين المنهج الحسي والمنهج التجريبي. وأصحاب المنهج التجريبي يرفضون القول بالأفكار الفطرية (الحدسية) وينكرون قدرة العقل على اكتشاف حقائق الواقع بشكل مستقل عن الخبرة الحسية [2].أو حتى اعتباره أداه للمعرفة.[3]  وباسم هذا المنهج حاول البعض نقض الكنيسة والدين وكل علوم الغيب[4]. حيث أصبحت المادة هي الحقيقة الأساسية خاصة منذ القرن السابع عشر الميلادي . ويدعي أنصار هذا المنهج أنه يمتاز عن سائر أنواع المعرفة الأخرى بمميزات عدة منها أنه يولد اليقين التام ومقدرته على كشف أسرار الطبيعة[5]. وعلى ذلك خطى الفلاسفة الملحدون ، فقالوا أن الإدراك الحسي مباشر وجوهري ، لأن الموجود المدرك بالحس هو وحده الذي لا نزاع فيه[6]. فاتخذت الحسية نزعة إلحادية واضحة[7].

    على أن هناك فلاسفة غربيين كبار عارضوا هذه النظرة ، أمثال رينيه ديكارت[8] René Descartes (ت1650) الذي حذر من المعرفة المحددة فقط بواسطة الحواس.[9]وإمانويل كانط(ت1804م)[10] إذ رفض ما ذهبت إليه المدرسة الانجليزية التي زعمت أن المعرفة مستمدة من الحواس.[11]

   وكان فلاسفة اليونان القدامى اختلفوا كذلك حول قضية المعرفة الحسية ومدى صدقيتها فأصبحت أحد القضايا التي بينت تناقض المذاهب الفلسفية بعضها وبعض.[12] فكان بعضهم أمثال بروتاجوراس السوفسطائي0 (ت حوالي 410ق م)[13] لا يرون المعرفة إلا عبر الحواس ، ثم أيدهم بعد ذلك ابيقور[14] والابيقوريون [15].

     وانتقد هذه الفلسفة سقراط ثم أرسطو الذي يرى أن الاستقراء منهج غير يقيني، واستمر هذا الرأي طيلة العصور الوسطى.وذلك على أساس أن مشكلة الاستقراء في ضمان صحة التعميم.[16]

    والجدير بالذكر ان هذه النظرة للمعرفة حصلت على انتقاد العديد من مفكري الإسلام مثل الإمام الماتريدي [17](ت333هـ)، الذي رأى أن الاقتصار على المعرفة الحسية يوقع الإنسان في الخطأ لأن معارفه ذاتها غير محسوسة ، ثم أن فيه عقل وروح وغير ذلك[18]. والبيروني[19](ت 440هـ) حيث أعتبر ان المعرفة الحسية تغلب على عوام الناس دون عقلائهم وعلمائهم . فعامة الناس تميل إلى المحسوس من الأشياء وتعجز عن الإدراك الذي يفوق ذلك[20].

      كذلك كان جلال الدين الرومي[21] 1273م)الذي يقول.[22]“إن الظواهر أضلت إبليس فلم ير من جوهر آدم إلا الماء والطين ، وأضلت الظواهر أبا جهل حتى نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه محمد بن عبد الله القرشي. فلم يره سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم”. ولهذا قال الرومي في شعره[23]: ” ولقد صارت علوم أهل الحس خطاماً في فم البشر ، فلم تدعهم يشربون لبان ذلك العلم الروحاني الرفيع ، ولكن الله ألقى في سويداء القلب جوهرة ، لم يودع مثلها في البحار و لا في الأفلاك “.

    و يعتبر اليهود من رواد المعرفة الحسية في التاريخ ، حيث طلبوا رؤية الله جهرة حتى يؤمنوا به فأخذتهم الصاعقة. “وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ“.[24] وهو كذلك ما يغلب على عباد الأوثان.

 ومن ناحية الدراسات التاريخية يعتبر المنهج الحسي أو منهج الملاحظة والمشاهدة أساس عدد من مناهج تفسير التاريخ فعلى سبيل المثال منهج رانكة Leopold Ranke  [25] (1795- 1886)  الذي يشدد أن الدراسة التاريخية يجب أن تكون وصف ما كان كما كان دون زيادة او نقصان، وبالاستناد إلى الوثائق التاريخية. وهو بهذا مجرد منهج جمع المتفرقات .ومنهج هنري بكل[26] Buckle (ت1862م)  وهو منهج يدعو إلى الاستناد إلى البيانات الإحصائية لمحاولة الكشف عن قوانين حركة التاريخ. ومنهج لامبرخت Lamprecht [27] (1856-1915م) الذي يعتبر المنهج الاستقرائي وعلم النفس هو المنهج الأساس لدراسة التاريخ[28].

 

 

المنهج العقلي :

                 وهو منهج المعرفة بواسطة التفكر والعقل ، ويعتبر كارل بوبر Poper[29] (ت 1994م ) من أبرز الداعين إلى هذا المنهج ، والذي يطلق عليه أحياناً المنهج الاستنباطي أو العقلي ، وقد ظل كارل بوبر يسخر من المنهج الاستقرائي (الحسي) حتى وفاته ، على اعتبار أنه منهج مضلل قاصر عن الوصول إلى الحقيقة العلمية ” إن حواسنا – على سبيل المثال – تخبرنا أن الشمس تدور حول الأرض و لكن الفكر والعقل هو الذي أخبرنا أن الأرض هي التي تدور حول الشمس “.[30] ويعتبر أفلاطون منذ التاريخ القديم [31]، وديكارت وليبنتز[32] وسبينوزا[33] وأوغست كونت[34] وامانويل كانط في التاريخ المعاصر من رواد المنهج العقلي في المعرفة على ما بينهم من اختلافات.[35] وكان أرسطو حاول أن يوازن بين دور الحواس والعقل في المعرفة من خلال المنهج الاستقرائي لدراسة ظواهر الطبيعة  و المنهج الاستنباطي لفهم التصورات العقلية أو المقولات ، فالحدوس العقلية هي التي ندرك بها ما وراء المحسوس[36].على أن هناك فلاسفة غربيون يعترفون بقصور العقل في تعريف الحقيقة النهائية مثل امانويل كانط ، الذي بين فساد كل من المنهجين المعرفيين: النزعة العقلية والنزعة التجريبية، فالأولى لتجاوزها حدودها والثانية لقصورها. فالأولى تجاوزت حدود العقل وطاقاته فادعت إمكان الوصول إلى إثبات كيانات لا يمكن بطبعها ان تكون موضوعات للتجربة ، مثل الله ، والحرية الإنسانية ، وخلود النفس . والمنهج التجريبي قاصر باقتصاره على معطيات التجربة الحسية ، ولا يدرك وجود مبادئ متعالية. ويشير إلى أن كل المحاولات في هذا الإطار تنتهي لأن تكون مجرد محاولة نظرية لآن العقل لا يستطيع أن يتجاوز حدود الظواهر الحسية ، ولهذا لابد –حسب قوله- من قبول ثلاث مصادرات هي الحرية وخلود النفس والله عز وجل .[37]

  كذلك الفيلسوف الفرنسي المعاصر روجية جارودي الذي انتقد الفلسفات التي تستند إلى العقل والتي أثرت في الفكر الغربي وقادت إلى إفلاسه،  بل رأى أن المأساة في الحضارة الغربية يعود إلى أنها اعتنقت ما قاله أرسطو وابن رشد والاكويني عن العقل ، وأهملت الاتجاه الآخر ، فانتهت إلى الطريق المسدود. إذ أن العقل لايدرك سوى الحدود بين الأشياء، ولا ينفذ إلى جوهرها.[38]

 

   على أنه بظهور نظرية النسبية لاينشتاين[39](ت1955م) ونظرية ميكانيكا الكم سقطت هيبة الفلسفة المادية الحسية وضربت في الصميم ، حيث أثبتت النسبية أن المادة ما هي إلا حالة من حالات الطاقة ، ولخص ذلك المعادلة المشهورة التي تعتبر محور فكرة القنبلة النووية وهي: الطاقة=الكتلة × مربع السرعة. وهكذا أصبح من الممكن أن يتحول الفيزيائي (المادي) إلى ما هو غير فيزيائي. وكذلك العكس صحيح يمكن لما هو غير فيزيائي أن يؤثر في الفيزيائي مثل المجال الكهرومغناطيسي والجاذبية وهي موضوعات أو قوى لا مادية ، لكنها تؤثر بشكل فعال في كثير من الظواهر على الأرض والإنسان[40].

 

  يقول أحد الفلاسفة الانجليز [41]:” في الماضي ساد الاعتقاد بأن الطبيعة هي التي تؤثر في العقل ، والآن قد آن الأوان ليستعيد العقل مكانته الحقيقية ويؤثر في الطبيعة. فأنت لكي تصل إلى الحقيقة الموضوعية لا يمكنك أن تفصل بين العارف والمعروف ، أو بين الإنسان (الملاحظ) والموضوع الذي يلاحظه”.  وساد هذا الفكر حتى قالت دائرة المعارف البريطانية:” لقد بدأ العلم المعاصر ينزع بعيدا عن المادية والآلية”.[42]

    على أية حال ، حاول بعض الفلاسفة أمثال الفيلسوف بيرس[43](ت1914م) C.S.Peirce  الجمع بين كل من المنهج الاستنباطي العقلي والمنهج التجريبي بما سماه الاستخلاص، وهو افتراض فرضية معينة لتفسير ظاهرة ما ثم إثباتها استقرائيا.[44]

 

   ومما لاشك فيه أن هذه الحضارة الغربية وصلت إلى أعلى مستويات الفكر والعقلانية البشرية، ولكن للأسف عقل بلا وجدان أو فكر بلا روح .أو كما نبه جارودي: فصلت العقيدة عن العلوم.[45] والشرق في مجال العقل المعاصر متأخر وربما لا يستطيع أن يجاري الغرب في تقدمه الفكري وبالتالي التكنولوجي. ولكن الشرق يستطيع أن يتقدم بالعقل والروح معاً والفكر والقلب والوجدان ، وهو المجال الذي يعجز عنه الغرب تماماً، ولا ميدان له فيه .

 

   على أن هذا المنهج المعرفي حسب الرؤية الإسلامية قاصر قصور كبير في الوصول إلى المعرفة الكلية، وإلى حقائق الأمور. فالفيلسوف أو العقلاني ، ربما أحاط بعلم الكائنات ، وجمع ثروة هائلة من المعلومات ، حيث يعرف خاصية كل جوهر وعرض ، ولكنه لا يزال يجهل نفسه ، وحسب كلام جلال الدين الرومي ، أنه في معرفة نفسه وقيمتها أجهل وأضل من حمار أهله ، أنه ربما يعرف قيمة كل شئ ، لكنه لا يعرف قيمة نفسه. مع أن روح العلم ، وجوهر المعرفة ، ولباب الحكمة ، أن يعرف الرجل قيمة نفسه ، وغاية خلقه ، وموقفه من خالقه ، ومن هذا العالم ومصيره بعد الممات .[46] إن عمق الإنسان وسعته ليسا من ناحية معلوماته ومكتسباته ، بل بغنى قلبه وصفاء روحه وقربه من الحق عز وجل . فقيمة المعارف المطروحة كعلوم هي بنسبة إرشاد الإنسان إلى الحقيقة، أي أن المعلومات التي لا تساعدنا على فهم حقيقة الوجود والأشياء والإنسان ، والمعارف النظرية التي لا تحمل فوائد عملية لا قيمة لها[47]. والإشكالية الحقيقية للغرب اليوم هو تقديسهم للعقل حتى جعلوه إلها يعبد من دون الله [48]. فسقطوا في الماديات سقوطاً لا انفكاك منه . وبلغ غرورهم بالعقل إلى درجة أن اعتقدوا أن هذا العقل يستطيع أن يحل كل مشاكل البشرية ، وان يصل بها إلى السعادة المطلقة . وأنه يستطيع ان يستغني استغناءاً كاملا عن إرشادات الأديان السماوية ، الإرشادات الربانية للإنسان ، فوصل بهم الأمر في السقوط إلى درجة تقنين الشذوذ الجنسي وإقرار زواج المثليين ، وغيره من السقوط الأخلاقي المشين .

  هكذا هيمن على الفكر المنهجي الغربي اتجاهين فلسفيين هما الاتجاه العقلي والاتجاه التجريبي، الاتجاه العقلي يغلب المعرفة بالعقل ويعطي الذات أولوية على الموضوع. بينما الاتجاه التجريبي هو الذي يعطي الأولوية للعلم الخارجي بدلا عن الذات الإنسانية، ويغلب الاستقراء والتجريب بدلا عن التأمل العقلي.[49]

  وبالنسبة للدراسات التاريخية فإن المنهج العقلي هو المنهج الذي يتبعه كارل بوبر  وأمثاله.

 

 

 

المنهج الروحي :

               وهو المنهج المعرفي الذي يحاول المعرفة من خارج إطار الحواس المادية أو العقل الظاهر. وهي المعرفة الشهودية أو القلبية ، ومما يذكر أن أفلاطون كان يعلم بعضاً من تلامذته بطرق البحث والنظر العقلي ، فسموا بالباحثين ورئيسهم أرسطو. وعلم بعضهم المعرفة بطريق تصفية النفس وإعمال الفكر الدائم في جناب القدس ، أي المعرفة من خارج إطار الحواس ، فسموا بالاشراقيين[50]. وهؤلاء لا ينكرون قيمة المصادر الأخرى للمعرفة ، سواء الحسية أو العقلية[51]. ففي نظر أفلاطون  ان هناك طريقين للصعود إلى المبدأ: طريق الديالكتيك العقلي القائم على الاستقراء، وطريق ديالكتيك الحب، حيث يتملك النفس جنونُ الرغبة، فتصل إلى حدسٍ مفاجئ بالجمال يفوق الوصف.[52]

     وعلى هذا المنهج سار أفلوطين[53] (ت270م) أحد أبرز زعماء الأفلاطونية المحدثة ، التي حكمت على العقل بالقصور ورفعت من شأن الكشف والبصيرة. وكانت أغلب رسائله تدور حول ” نجاة النفس من سجنها المادي ورجوعها إلى عالم الوجود والحقيقة، موطنها الأصلي”[54]. فالنفس التي تطهرت من كل قبح هي التي بإمكانها وحدها ان تدخل إلى ملكوت الجمال الخالص ، أي أن تصل إلى المعرفة الحقه .يقول أفلوطين[55]:” إنه إذا حدث هذا فإن النفس ترى الإلوهية إلى الحد الذي يحق لها أن تصل إليه في رؤيتها ، وتشهد نفسها قد أضيئت أي ملئت بنور عقلي أو بعبارة أخرى تدرك أنها ضياء خالص، غير مثقلة، نشيطة كما تسير في طريقها إلى أن تكون إلها”. على ان درجات المعرفة عند أفلوطين تمر بثلاث درجات أولا الإحساس ثم النظر ثم بعد ذلك الوجد ، فالإحساس درجة دنيا من درجات المعرفة أما الوجد أو المعرفة الروحية فهي أعلاها.[56]والغريب أنه رغم هذا الفكر الذوقي لأفلوطين والمعرفة الروحية إلا أنه رفض الديانة المسيحية واعُتبر من أصحاب الفكر الوثني ، وربما هذا يؤكد أنها معرفة ذاتية محضة.

  وفي الفكر المسيحي ذهب سان أوغسطين[57] (ت430م) إلى تأكيد هذه المعرفة وأهميتها. حيث يمكن للنفس إدراك الحقائق من خلال الإشراق الباطن من الله على النفس، فالله هو مصدر النور الذي يجعل الحقائق العقلية مبصرة للعقل، على انه لابد من تعاون ضروري بين العقل والحواس والإشراق الإلهي حتى يتمكن الإنسان من معرفة الحقائق.[58]

      وربما يعتبر هنري برجسون امتداد معاصر لهذا الفكر في قضية منهج المعرفة بل ومتأثرا بالأفلاطونية المحدثة في بعض من فلسفته، حيث يعتبر الحدس والوجدان الخارج عن إطار الحواس هو منهج المعرفة الحقيقي.[59]ولكن الوجدان عنده ليس وليد الغريزة بل هو ناتج عن التأمل الفكري المستمر والتفكير العقلي المتواصل، مع حشد الوقائع العلمية السليمة ومقارنتها ببعض[60].

    ومنهج المعرفة من خارج إطار الحواس كذلك منهج يتبعه رجال الدين الهندوس عبر ما يسمى الفيدا ، وهي أما تهذيب للجسد أو التأمل العميق للوصول إلى المعرفة الشهودية [61]. وجسد هذا من الفلاسفة الهنود المعاصرين الفيلسوف راهكرشنان[62] Radhakrishnan (ت1975م) حيث أنكر النزعة العقلية في إدراك أمور الروح والإلهيات ، لأنه يرى انه إذا استخدم العقل والبرهان العقلي في هذه الأمور فانه إنما يصل إلى فرض ، مهما يكن صادقا ، وإذا كان للمعرفة حسب اعتقاده عدة أنماط : حسية وتصورية ووجدانية ، فإن المعرفة الأخيرة هي البصيرة النافذة الكاملة، لأنها ليست وليدة نشاط جزء من كياننا الواعي : الحس والعقل ، بل كل كياننا الواعي.[63]  

   وبدأ بعض من الأوربيين التأثر بهذا المنهج المعرفي ولعل من أحدث الكتب التي صدرت في الولايات الأمريكية عن تجربة لكاتبة أمريكية مارست حالة التأمل حتى شهدت حالة عرفانية[64]. ثم تناقلت وكالات الإخبار العالمية خبر الناسك الهندي الذي له 74 سنة دون طعام أو شراب، الشئ الذي أذهل الكثير ، فخضع للفحوصات الطبية الدقيقة لمعرفة من أين يستمد طاقته للبقاء. ولم يكن هو الوحيد ولكن تحدثت الأخبار أيضا عن آخرين يمارسون هذه الرياضة ويظلون فترات طويلة دون طعام.[65]

  وفي القرنين الماضيين – منذ منتصف القرن التاسع عشر- تأسست كذلك في أوروبا الحركة الروحانية Spiritism، والتي تقول أيضاً بالمعرفة خارج إطار الحواس . ثم أخذت الجامعات الأوربية تأسس فيها أقساماً للعلوم الروحية[66] .

 

    وتوضح أدبيات الحركة الروحانية في أوروبا بعضاً من جوانب هذا الفكر. يقول الدكتور شارلي ريخيت recht الحائز على جائزة نوبل في الفيسولوجيا:[67]” لقد استطعت في ادنبره أن أؤكد أمام مائة من علماء الجسم أن حواسنا الخمس ليست هي الوسائل الوحيدة للمعرفة بل أن ثمة شذرات من الحقيقة ترد أحيانا للإدراك بطرق مختلفة”.

  ويقول عالم الطبيعة سير أوليفر لودج[68]: ” ولنذكر في هذا المقام أننا لسنا أجساماً فقط بل كل منا مركب من عقل ووجدان وروح فضلاً عن الجسم ، ويتصل الإنسان بهذه الكائنات العليا المدركة ويناجيها بغير حواسه البدنية، ويرتاح إلى الاتصال بها أكثر مما يرتاح إلى اتصاله بهذا العالم المادي الذي قضى عليه أن يعيش فيه إلى حين… أن كل الرجال العظام الذين ماتوا كانوا يرتاحون إلى مناجاة المدركات العليا أكثر مما يرتاحون إلى الأمور الدنيوية . وإذا عملنا على تقوية مداركنا وقوانا أطلعنا على أكثر من ذلك . ومكننا الإلهام من معرفة أمور لا نقدر أن ندركها بغيره. أن طرق البحث المادية ليست كل طرق البحث ولم يزل الرجال العظام منذ قديم الزمان يرون رؤى ويطلعون على حقائق وتظهر منهم بدائه يحاولون تدوينها كيما ينتفع بها غيرهم “.

     وعلى ذلك فإن من يمعن النظر في سير الأشخاص الذين غيروا وجه التاريخ الإنساني – حسب الروحانية الأوروبية – يلمس دور الإلهام جلياً عند الكثيرين ، فأغلب عباقرة التاريخ وفلاسفته وشعرائه لم يكونوا من المثقفين ثقافة خاصة ولا ممن كانوا طلاباً ممتازين في دروسهم ، بل كانوا جلهم من أصحاب النفوس المتواضعة البسيطة الخالية من العقد النفسية، ومن ادعاء العظمة ، فالغرور هو العدو اللدود للإلهام الروحي ، كما كانوا ممن تألموا كثيراً في طفولتهم لأن الألم من عوامل صفاء الروح الإنسانية وشفافيتها وتطورها السريع للأمام[69].

 

   على أن هذا المنهج الروحي في المعرفة يعاني من خلل خطير وهو تعطيل المعرفة من خلال الحواس والعقل . وإن كان وصل من خلال المعرفة الروحية إلى مقولات راقية ومعرفة حكيمة . ولكنها تظل معرفة ناقصة وتعطيلية.

 

   ولا تقتصر المعرفة خارج إطار الحواس في أوروبا والغرب اليوم على الروحانية الحديثة، بل ظهرت علوم حديثة في علم النفس تؤكد إمكانية المعرفة من خارج الحواس المادية ، يقول الدكتور جوزيف ميرفي[70]:” ويرى عقلك الداخلي (العقل الباطن) بدون حاسة البصر الطبيعية ، فهو يمتلك القدرة على رؤية كل ما هو واقع وراء نطاق البصر ، وهو ما يطلق عليه الاستبصار أو حدة الإدراك ، ويمكن لعقلك الباطن أن يغادر جسدك ويسافر إلى أماكن بعيدة ، ويجلب- في أحيان كثيرة- معلومات دقيقة وحقيقية تماما . ومن خلال عقلك الباطن ، تستطيع أن تقرأ أفكار الآخرين ، وتقرأ محتويات الخطابات والخزائن المغلقة . ولدى عقلك الباطن القدرة على أن يعي ويفهم أفكار الآخرين بدون استخدام وسائل الاتصال العادية الظاهرة”.

 على انه يلاحظ في هذه المعرفة الكشفية أو الروحية أنها لا تغير من المعتقدات الأساسية لصاحبها حيث نجدها عند الوثني (افلوطين) وعند المسيحي صاحب التثليث (اوغستين) وعند الهندوسي (غاندي).

 وبالنسبة للدراسات التاريخية فإن المنهج الروحي هو المنهج الغالب على عدد من فلاسفة التاريخ مثل هردر  وفلاسفة المنهج الحدسي على سبيل المثال. كذلك فلسفة شبنجلر الذي يعتقد ان للوجود صورتين الطبيعة والتاريخ، الطبيعة يحكمها منطق العلية بينما التاريخ يحكمه سياق المصير، ومعرفة الطبيعة بالعقل، بينما معرفة التاريخ بالوجدان.[71]

 

المنهج الكلي ( الإسلامي ) :

                         المعرفة هي أسمى مقصد للإنسان في أداءه التعبدي  لله عز وجل. ولكن تكتنف هذه المعرفة إشكالية حقيقية تحدد مستوى ودقة وصدقيه هذه المعرفة وهي إشكالية مناهج المعرفة نفسها . وبتعدد المناهج تتعدد المعرفة ومقولاتها وخاصة في قضية التعرف إلى الله عز وجل والاتصال به ، أو معرفة الله والتواصل معه . و المناهج الثلاثة السالفة تثير تساؤل خطير وهو : هل نعرف الله بالنص أم نعرف الله بالعقل أم نعرف الله بالقلب والوجدان[72]. هذه الإشكالية لا توجد في الإسلام[73]، إذ أن المنهج القرآني للمعرفة يقوم على استخدام الأدوات الثلاثة السابقة للمعرفة ، وهي المعرفة الحسية والعقلية والقلبية.

لم يقف المنهج الإسلامي عند الحواس وحدها كطريق للوعي والمعرفة، بل تجاوز سبل الملاحظة والتجريب والاستقراء والقياس لوعي وإدراك ظواهر وحقائق الكون والمادة وما وراء المادة .والمثال على ذلك في المعرفة الحسية قوله تعالى ” أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ “السجدة(27).

وقد وضح هذا المنهج المعرفي الاستقرائي من تعلم قابيل لكيفية دفن أخيه هابيل من خلال مشاهدته وملاحظته للغراب الذي دفن غراباً. فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ “المائدة(31).

  وأدى اتخاذ المسلمون المنهج الحسي إلى ظهور العلوم التطبيقية عند العرب والمسلمين ، في الوقت الذي لم تعرف هذا المجال الحضارة الأوروبية القديمة.[74]

  أما المعرفة العقلية والفكرية مثال ذلك قوله تعالى:”قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا” سبأ (46) .وقوله تعالى:”وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”النحل(12). وقوله تعالى :” الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)آل عمران.

  وعن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء قال : قيل لها : ما كان أفضل عمل أبي الدرداء ؟ قالت : التفكر.[75]

   وفي الأثر عن الحسن البصري، عن عامر بن عبد قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: إن ضياء الإيمان، أو نور الإيمان، التفكر. وعن الحسن البصري أيضا:” تَفَكُّر سَاعَة خير من قيام ليلة. [76]  وسئل إبراهيم بن أدهم عن العبادة ، فقال :” رأس العبادة التفكر والصمت إلا من ذكر الله عز وجل..”.[77]

 

    أما منهج المعرفة القلبية من القرآن فقولة تعالى:”لَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ “الأعراف(179).وقوله تعالى:” أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ “الحج (46).

 

  وقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم[78] ” اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله”. وقوله صلى الله عليه وسلم :[79]” إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ “. وقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[80]” إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَد اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ }.

      وعَنِ الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ ، ،أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : ” كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ ؟ ” قَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا ، فَقَالَ : ” انْظُرْ مَا تَقُولُ ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ ؟ ” فَقَالَ : قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي ، وأظمأت نَهَارِي ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا ، فَقَالَ : ” يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ ” ، ثَلاثًا.[81]

 

   والتاريخ الإسلامي ملئ بشواهد المعرفة من خلال القلب أو من خارج أطار الحواس، ولعل أشهرها حادثة عمر رضي الله عنه عندما نادى من فوق المنبر: يا سارية الجبل . إذ رأى وهو في المدينة سارية و الجيش الذي معه وهو يبعد عنه ألاف الأميال[82].

   وكان الإمام على بن ابي طالب كرم الله وجه شرح شيئا من هذه المعرفة بقوله عن السائر في طريق الله عز وجل[83] ” قد أحيا عقله ، وأمات نفسه، حتى دق جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق ، فأنار له الطريق ، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ، ودار الإقامة وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن و الراحة ، بما استعمل قلبه ، وأرضى ربه”.

 

    وعلى ذلك أكد جمهور علماء الإسلام بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم على وجود المعرفة القلبية أو ما يسميه البعض بالمكاشفة[84]. وإن كان اختص بهذه المعرفة أهل التصوف بشكل أكثر من غيرهم ،لأن التصوف علم يهتم بالحالة القلبية والروحية للمسلم[85]. وكان بعض الفقهاء ينكرون مثل هذه المعرفة الكشفية أمثال القاضي صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ/1696م) ، ولكن بعد حادثة خاصة وقعت له مع أبنته تبين له صدقية هذه المعرفة. إذ مرضت ابنته زينب فى بيته بمكة وكان ملاصقا للحرم فكانت تخبره وهى من وراء جدار بما فعل في الحرم وكان يغلق عليها مرارا وتذكر أنها تشاهد كذا وكذا فيخرج إلى الحرم فيجد ما قالت حقا.[86]

    كذلك كان حال معظم الفلاسفة المسلمين يثبتون المعرفة القلبية أو الاشراقية ، ولكن للمعرفة الإيمانية وليس للمعرفة الفلسفية، كما هو الحال عند الكندي على سبيل المثال.[87]

   و أدوات معرفة الله هي العقل والقلب معا. وسواء كانت المعرفة بالله عقلياً أو ذوقياً فإن موضوعها الذات الإلهية من حيث صفاتها وأسمائها وأفعالها . وكل نوع أو فئة من البشر يناسبهم شكل من أشكال هذه المعرفة. فالمعرفة الحسية هي معرفة العوام ، والمعرفة العقلية معرفة الخواص بينما المعرفة القلبية الروحية هي معرفة خواص الخواص .[88]

   يقول الإمام الغزالي عن هذه المعرفة القلبية[89]:” وهو علم الصديقين والمقربين، أعني علم المكاشفة فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة، وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة، فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه، وبصفاته الباقيات التامات، وبأفعاله، وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة، ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا، والمعرفة بمعنى النبوة والنبي، ومعنى الوحي، ومعنى الشيطان، ومعنى لفظ الملائكة والشياطين للإنسان، وكيفية ظهور الملك للأنبياء، وكيفية وصول الوحي إليهم، والمعرفة بملكوت السموات والأرض، ومعرفة القلب وكيفية تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه، ومعرفة الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان، ومعرفة الآخرة والجنة والنار وعذاب القبر والصراط والميزان والحساب“. وبين الغزالي أن للإدراك درجات، الأولى هي قوة الحس، والثانية قوة العقل، والثالثة قوة أخرى وراء العقل، ثم النبوة وهي طور آخر يحصل فيه نور لا يصل إليه العقل[90].

   وعن المعرفة القلبية يشير جلال الدين الرومي ، أن هناك حواس باطنية وراء هذه الحواس الظاهرة ، كنسبة التراب والخزف إلى الذهب الخالص من التبر المسبوك.  ويقول[91]” أن الحواس الظاهرة تستمد غذائها وقوتها من الأبدان و الأشباح ، أما الحواس الباطنية ، فإنها تستمد غذائها وقوتها من النفوس والأرواح ، وأن قوت الأولى الظلام الذي فطرت عليه الأجسام ، وقوت الآخرة الحواس الباطنة ، النور الذي فطرت عليه الأرواح والقلوب… إن الذين اعتمدوا على حواسهم الظاهرة واقتصروا عليها ، وأنكروا ما عداها ، ضيعوا حواسهم الباطنة ، وفقدوا قواهم ومواهبهم التي منحهم الله إياها ، وأصبحوا محجوبين عميانا ، لا يمشون إلا بعكازة أو بقائد يقودهم ، وأصبح كثير من الحقائق والدقائق مستورة عنهم”.

 

   والقاعدة الإسلامية العامة ، أنه يستطيع كل مسلم ان يصل إلى مستوى عال من هذه المعرفة ولكن بشروطها بحسب الحديث القدسي الصحيح[92] “ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ” . هكذا يصير المؤمن يسمع ويرى ويبطش من خلال القدرة الإلهية ، بعد أن يتبع المنهج الإسلامي في المعرفة. ويعزز هذا الحديث قوله عز وجل :” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)العنكبوت. فالمجاهدة للنفس هو المنهج الذي يقود إلى الاهتداء إلى سبل المولى عز وجل ، وبالتالي إلى المعرفة به. كذلك لخص هذا المنهج قوله تعالى:” قل إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا..”.

 

   ويقول الأمام شمس الدين السخاوي(ت 794هـ) عن الجمع بين المنهج العقلي والمنهج القلبي[93] ” فمن الطالبين من راح إدراكه بالبحث والنظر وهؤلاء زمرة الباحثين ، ورئيسهم أرسطو… ومنهم من سلك طريق تصفية النفس من الرياضة، وأكثرهم يصل إلى أمور ذوقية يكشفها له العيان ويجل أن توصف بلسان… ومنهم من ابتدأ أمره بالبحث والنظر وانتهى إلى التجريد والتصفية، فجمع الفضيلتين وينسب مثال هذا الحال إلى سقراط وأفلاطون والسهروردي والبيهقي”.

 

     وضح ابن خلدون منهج المعرفة القلبية عند الصوفية قائلاً[94]:” ثم أن المجاهدة والخلوة والذكر يتبعهما غالباً كشف حجاب الحس، والاطلاع على عوالم من أمر الله ليس لصاحب الحس إدراك شيء منها و الروح من تلك العوالم وسبب هذا الكشف أن الروح إذا رجع من الحس الظاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحس وقويت أحوال الروح وغلب سلطانه  وتجدد نشؤه وأعان على ذلك الذكر فأنه كالغذاء لتنمية الروح ولا يزال في نمو وتزايد إلى أن يصير شهوداً بعد أن كان علماً ويكشف حجاب الحس … فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية ، والعلوم اللدنية والفتح الإلهي وتقرب ذاته في تحقيق حقيقتها من الأفق الأعلى أفق الملائكة … ثم أن الكشف لا يكون صحيحاً كاملاً عندهم إلا إذا كان ناشئاً عن الاستقامة”.[95]

   ويقول ابن قيم الجوزية [96]:”أذهلهم عن إدراك ما هم فيه وهيمهم عن شهود ما هم له وضن بحالهم عن علمهم ما هم به فاستسروا عنهم مع شواهد تشهد لهم بصحة مقامهم عن قصد صادق يهيجه غيب وحب صادق يخفى عليه علمه ووجد غريب لا ينكشف له موقده وهذا من أدق مقامات أهل الولاية.”

 

   ولهذا فإن هذا المنهج المعرفي عند المسلمين مقيداً أولاً باستقامة الخُلق وثانياً الإلمام بعلوم الشريعة والتفقه بالدين و التقيد به وقالوا أن هذه المعارف والعلوم المتحصلة من هذا المنهج هو نتيجة العمل بالكتاب والسنة ، فمن عمل بما علم تكلم كما تكلموا وصار جميع ما قالوه بعض ما عنده . لأنه كلما ترقى العبد في باب الأدب مع الله تعالى دق كلامه على الإفهام[97]. ولهذا كان هذا المنهج عند المسلمين جامعاً للمناهج الثلاثة الحسية والفكرية والوجدانية. وقد بين هذا المنهج القلبي في المعرفة عدد من كبار علماء الإسلام ، منهم القاضي محمد بن على الشوكاني الذي يقول[98]” ثم الاشتغال بذكر الله وبالعبادة المقربة إليه… ثم يفتح الله باباً كان عنها محجوب كغيره … فيبصر ويسمع ويفهم بحواس لا يحجبها عن حقائق الحق حاجب “.

 

   أما من اتبع طريق المجاهدة والرياضة والصوم عن غير طريق الشريعة والسنة المحمدية ، فربما تنقدح له علوم ومعارف لكنها ربما تكون استغواءات شيطانية وتلاعبات نفسانية،   لهذا حذر علماء الإسلام من الرياضات الروحية المجردة التي تتم بغير هدى الشرع وإتباع سنة الحبيب المصطفى ، وقالوا أن ما يتراءى للمتريض بغير الشرع إنما يكون استغواء شيطاني، فهذه فنون من العلوم غير ممنوعة عن الرهبان والبراهمة[99]. كما يقول الإمام الشاذلي[100]:” إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك إن الله تعالى ضمن العصمة في الكتاب والسنة ، ولم يضمنها لي في جانب الكشف والإلهام ، ولا المشاهدة”.  وعلى ذلك لا ينبغي العمل بالكشف ، ولا الإلهام، ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة ، وهذا هو منهج أهل التصوف[101].

  كما أن اتخاذ طريق الرياضة و التصفية القلبية دون تفقه وتعلم للشرع ،أي تصوف بدون تفقه هو زندقة كما قال الإمام مالك:” من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق”.[102] ولهذا قالوا إن امثل طرق الوصول إلى الحكمة والمعرفة بالله هي طريق العقل وطريق التصفية القلبية معاً[103].

 ويقول أبو سليمان الداراني[104]:” ليس ينبغي لِمَنْ ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر، فإذا سمعه في الأثر عمل به، وحمد الله حين وافق ما في نفسه “.

  وحذر الإمام الغزالي من أقوال الشطح فقال[105]:” وأما الشطح: فنعني به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية أحدهما الدعاوي الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة حتى ينتهي قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب، فيقولون: قيل لنا كذا، وقلنا كذا، ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي صلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس، ويستشهدون بقوله أنا الحق، وبما حكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال سبحاني سبحاني، وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام”.

 

   كذلك كان تحذير ابن تيمية[106] الذي يقر بعلم التصوف و بالمعرفة القلبية ويحذر من مزالقها :” ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ التَّوَجُّهِ إلَى اللَّهِ إذَا أَقْبَلُوا عَلَى ذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ : شَهِدُوا بِقُلُوبِهِمْ هَذِهِ الرُّبُوبِيَّةَ الْجَامِعَةَ وَهَذِهِ الْإِحَاطَةَ الْعَامَّةَ فَإِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ … فَقَدْ يَشْهَدُ الْعَبْدُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْمَصْنُوعَاتِ وَهُوَ الْحَقُّ الْمَوْجُودُ فِيهَا الَّذِي هُوَ شَامِلٌ لَهَا فَيَظُنُّ أَنَّهُ الْخَالِقُ لِمُطَابَقَتِهِ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا هُوَ صُنْعُهُ “[107].

   ويقول كذلك[108]:” وَأَهْلُ الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُخَاطَبَاتِ يُصِيبُونَ تَارَةً ؛ وَيُخْطِئُونَ أُخْرَى ؛ كَأَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ جَمِيعُهُمْ أَنْ يَعْتَصِمُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَزِنُوا مَوَاجِيدَهُمْ وَمُشَاهَدَتَهُمْ وَآرَاءَهُمْ وَمَعْقُولَاتِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ “.

 

  وعلى ذلك فضابط المعرفة القلبية الكشفية هو أتباع الكتاب والسنة.[109]على ان هذا السلوك الروحي الذي تحدث عنه ابن خلدون والشوكاني وقبلهم الإمام الغزالي وغيرهم من المسلمين ينقسم إلى مراتب عدة ومقامات متباينة كل على حسب استعداده في الترقي وقدرته على ذلك[110]، سواء في العروج الروحي أو في مكاشفة أنوار القلب [111]. وبسب ذلك تعددت مقولات ومفاهيم وحدة الوجود عندما قال بها بعض من أهل التصوف أو من نسبت إليه مثل هذه المقولات بناء على مشاهداته القلبية . إذ ” تتنوع تنزلات الغيوب ، بتنوع استعدادت القلوب “[112].

  فبعض المشاهدات القلبية تستغرق لحظات سريعة . لكن يحصل فيها من الأنوار والأسرار والمعرفة والسرور ما يكفي صاحبها من اليقين والحب لله عمره كله. وهو ما حدث على سبيل المثال للكاتب الإسلامي خالد محمد خالد.[113]

   ويذكر البعض أن الحب الإلهي أول الطريق ، بمعنى أن طريق المجاهدة والرياضة تبدأ بخاطفة الحب إلى الله عز وجل ، وتذوق هذا الحب [114]. ولهذا نجد الكثير من شعر وفكر أهل التصوف يتمحور حول الحب الإلهي ، وإن رمز له أكثرهم برموز شعرية مثل ليلى وسلمى وغيرها[115].

    كما أن أهل الإسلام يغلب أحياناً على جماعة منهم ترجيح منهج دون آخر، حتى أخذ المسلمون حظهم إلى حد بعيد من الانقسامات المنهجية في المعرفة. ففريق منهم حكم العقل في النص وقدم العقل عند التعارض وهؤلاء هم المعتزلة . وفريق حكم النص على العقل ، معطلا للعقل ، فسقط بعضهم في التجسيم والتشبيه وهؤلاء هم غلاة الحنابلة.[116]

   وفريق وازن بين النص والعقل فألتزم بقدسية النص ولم يعطل العقل، إلا انه قدم المعرفة القلبية والارتباط الوجداني بالله والرسول صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء هم أهل التصوف و الاشاعرة.[117]

   وهذه الاختلافات هي في حدود الطبيعي ، لأن الناس مختلفون في تكوينهم العقلي والفكري والروحي وليسوا سواء ، فمنهم من يغلب عليه قوة العقل ، ومنهم من يفضل الالتزام بالحسي، وبالتالي في التقيد بالنص . ومنهم من تغلب عليه قوة العاطفة والقلب والتوجه الروحي الوجداني ، ومن عظمة وقوة الإسلام ووسعه أن لدية القدرة على احتواء كل فئات البشر بمختلف قدراتهم . مع الدعوة إلى الوسطية وعدم التطرف وادعاء الحق المطلق.

 

   وموقف العلماء المسلمين هو عدم تكفير أي مسلم حيث تختلف رؤى كل مسلم حسب مستواه المعرفي ، فمعرفة الجاهل غير معرفة المتبحر ، ومعرفة الفقيه تختلف عن معرفة أهل الكشف ، يقول الإمام عبد الوهاب الشعراني[118] :” سمعت سيدي علي الخواص رحمه الله يقول : من ادعى مقام المعرفة وهو يجرح عقائد أحد من أهل الفرقة الإسلامية من كل وجه فهو كاذب ، فإن من شروط العارف بالله دخول الحضرة الإلهية ، وإذا دخلها رأى عقائد جميع المسلمين شارعة إليها ومتصلة بها كاتصال الأصابع بالكف ، فأقر بجميع عقائد المسلمين بحق وكشف ومشاهدة ، ولو من بعض الوجوه”.

 

      فالمعرفة الكاملة بالله والتي يمكن ان تتاح لإنسان لا يمكن بلوغها والوصول إليها بالحس لأن الحس يعني بالموضوعات المادية والله عز وجل ليس مادة. ولا بالوهم لأن الوهم يختص بالصورة والله عز وجل خالق الصور والتصور، ولا بالعقل لأن العقل يهتم بعلل الأشياء وأسبابها والله ليس معلولا . وأقصى ما يمكن أن يصل إليه العقل هو أن يثبت أن الله عز وجل هو العلة الأولى، وأنه ليس كمثله شيء . فبقيت إذاً المعرفة الذوقية أو القلبية أو الوجدانية وهي أعلى دراجات المعرفة الصحيحة ، ولا يمكن الإفصاح عنها بأية وسليه من وسائل التعبير الإنساني، وهي قمة اليقين ، وإذا ما بلغها الإنسان تضاءلت أمامها أنماط المعرفة الأخرى جميعاً [119]. وبينت أفقاً وشهوداً واسعاً لا يمكن للحس والعقل لوحدهما أن يبلغاه .

 

    على أن منهج المعرفة القلبية عند المسلمين مقيد ومسترشد بالمعرفة الحسية والعقلية ، لأنه مقيد ومسترشد بالشريعة الإسلامية، الكتاب والسنة . فهي ليست معرفة لا ضابط لها ولا معيار، يغيب عنها العقل وينتفي منها الحس ، بل هي منهج التوازن الكلي بين الحس والعقل والقلب.

    فتغليب منهج على آخر يضر بمستوى المعرفة وصدقيتها فعلى سبيل المثال أصحاب المنهج العقلي اختلفوا وتعارضوا وتناقضوا ، ولم تستطع كل الجهود المبذولة للتوصل إلى مقياس عقلي يزن بين الحق والباطل بالنسبة للأمور الغيبية، وأمور ما وراء الحجب . وكل ما يمكن ان يصل إليه العقل احتمالات وترجيحات لا تنتهي إلى اليقين الاستدلالي الذي لا شك فيه[120] . وهذه الاختلافات بين أصحاب المنهج العقلي ليس فقط في قضايا الغيب ، بل اختلفوا كذلك في العلوم الظاهرة الطبيعية المشاهدة أمام ناظريهم . فظهرت النظريات المختلفة ، وكل نظرية تختلف عن الأخرى ، وكثيرا ما يصعب الجمع بينهما ، مثل نظرية النسبية ونظرية الكوانتم على سبيل المثال لا الحصر [121].

  كذلك عرف عن أهل المعرفة القلبية التحذير من التحدث بها. يقول الإمام الغزالي[122]:”والمقصود من هذا الكتاب علم المعاملة فقط دون علم المكاشفة التي لا رخصة في إيداعها الكتب وإن كانت هي غاية مقصد الطالبين ومطمع نظر الصديقين، وعلم المعاملة طريق إليه ولكن لم يتكلم الأنبياء صلوات الله عليهم مع الخلق إلا في علم الطريق والإرشاد إليه. وأما علم المكاشفة فلم يتكلموا فيه إلا بالرمز والإيماء على سبيل التمثيل والإجمال، علماً منهم بقصور افهام الخلق عن الاحتمال – والعلماء ورثة الأنبياء – فما لهم سبيل إلى العدول عن نهج التأسي والاقتداء…”. ويقول الإمام عبد الله بن علوي الحداد[123]:” ومن شأن المتكلم في بيان هذه العلوم ، مع من لم يصل إلى شئ منها بطريق الذوق أنه لا يزيدها بيانه لها إلا غموضا”.

    وهناك إشكالية أخرى هي عدم وفاء الكلمات بالقدرة على جلاء التوضيح والبيان لهذه العلوم.[124]

خاتمة:

  إن معرفة حقيقة الوجود ومعرفة الكون والعالم كان ولا يزال مطلب العلماء والفلاسفة. ورغم ما قدمته الرسالات السماوية من إعلام واضح عن حقيقة هذا الكون وهذا الوجود. إلا أن نهم الإنسان للمعرفة والتحقق منها لا حدود له.

 

   سبب اختلاف مناهج المعرفة بين الشرق و الغرب أثارا هامة كانت سببا في التطور العلمي الهائل عند العرب والمسلمين نتيجة أخذهم بتعدد مناهج المعرفة بما في ذلك المنهج التجريبي. بينما اقتصرت أوروبا لفترة طويلة على الاعتماد على

المنطق الصوري لأرسطو دون الأخذ بمنهج التجربة حتى ظهور روجر بيكون الذي استفاد من العرب وادخل المنهج التجريبي. وكان الأخذ بهذا المنهج هو العلامة الفارقة في التاريخ الأوروبي حتى تحولت أوروبا إلى التاريخ الحديث والنهضة العلمية الهائلة التي عمت أوروبا ولا تزال تعيشها .

 

 

[1] فيلسوف وسياسي انجليزي ولد فرانسيس بيكون في مدينة لندن عام 1561، التحق بجامعة كامبريدج ومن ثم رحل إلى فرنسا واشتغل مدة في السفارة الإنجليزية بباريس ثم ما لبث أن عاد إلى وطنه وشغل مستشارا للملكة إليزابيث، يعتبره الأوروبيون مؤسس المنهج الاستقرائي.(عبدالرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة،1/392 وما بعدها).

[2] أنظر : بدوي عبد الفتاح محمد : فلسفة العلوم ، القاهرة 2000/2001،ص62. يختلف هؤلاء عن رؤية علماء النفس المعاصرين في نظرتهم إلى مستويات التفكير إذ أنهم يرونها تنقسم إلى ثلاث مستويات : المستوى الحسي ، ثم المستوى التصوري ، ثم مستوى التفكير المجرد. وهذا على اختلاف أيضا فيما بين علماء النفس أنفسهم.(أنظر: أحمد عزت راجح: أصول علم النفس، الإسكندرية ب د ،ص281،282).

[3] عبد الرحمن بن زيد الزنيدي: مصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي ، الرياض 1992 ، ص4.

[4]  للمزيد عن هذا المنهج ونقده أنظر : محمد محمد طاهر أل شبير: نقد المنهج التجريبي ، بيروت 1987م . يعترف روجيه بيكون وهو المدخل الفعلي للعلم التجريبي إلى أوربا ، أنه تعلم كل شئ عن هذا الموضوع من مدرسة قرطبة الإسلامية ومن ابن الهيثم خاصة (روجيه غارودي : نحو حرب دينية ، ترجمة صياح الجهيم بيروت 1997، ص48).

[5] عبد الرحمن بدوي : فلسفة العصور الوسطى ، القاهرة 1979م، ص يج. ؛ بدوي عبد الفتاح: فلسفة العلوم، القاهرة2000/2001،ص259.

[6] عبد الرحمن بدوي : فلسفة العصور الوسطى ،2/212،213..

[7] عبد الرحمن بدوي: الموسوعة الفلسفية،2/407 ؛انظر أيضا: روجية غارودي: النظرية المادية في المعرفة، دمشق ب د ،ص5 وما بعدها.

[8] رينيه ديكارت : فيلسوف، ورياضي، وفيزيائي فرنسي، يلقب بـ”أبو الفلسفة الحديثة” ويعتبر الشخصية الرئيسية لمذهب العقلانية في القرن17م ،و صاحب المقولة الشهيرة:”أنا أفكر، إذن أنا موجود( عبدالرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة،1/488).

[9] عبد الرحمن بدوي : موسوعة الفلسفة ،1/494.

[10] إيمانويل كانط: Immanuel Kant (1724 – 1804) فيلسوف ألماني درس اللاهوت ثم الرياضيات والفلسفة والطبيعة، عمل معلما ثم أستاذا في الجامعة ، من أهم مؤلفاته نقد العقل المحض، نقد العقل العملي ميتافيزيقيا الأخلاق وغيرها. اعتبره البعض أعظم فلاسفة العصر الحديث.(للمزيد أنظر: عبدالرحمن بدوي موسوعة الفلسفة،2/269 وما بعدها).

[11] كميل الحاج : الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي ،بيروت2000، ص612.

[12]  أنظر على سبيل المثال :عبد الرحمن بدوي : موسوعة المعرفة ،2/19 وما بعدها.

 [13]بروتاجوراس الابديري السوفسطائي: رأس الفكر السوفسطائي في القرن الخامس ق.م. كانت فلسفته هي أساس الفكر السوفسطائي في فلسفة الشك .(للمزيد انظر على سبيل المثال: عبد المنعم الحفني: المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، القاهرة 2000،ص423).

[14] ابيقور: فيلسوف يوناني، ولد حوالي سنة 341 ق م وتوفٌي حوالي 270 ق م أسٌس المدرسة الأبيقوريٌة. هاجر إلى أثينا حوالي سنة 311 ق م واستقرٌ فيها ودرٌس الفلسفة. لم يبق من الكتب التي ألٌفها سوى شذرات من الحكم وثلاث رسائل. أهمٌ ما وصلنا من فلسفته يدور حول المسألة الخلقيٌة. وأطروحته الأساسيٌة تتمثٌل في أنٌ اللذٌة هيٌ الخير الأسمى وهي غاية الحياة السٌعيدة.ولكن بالاعتدال. إذ خلافا لما يعتقده البعض، ليست الأبيقوريٌة دعوة إلى التٌمتٌع باللٌذٌة في كلٌ الحالات ودون أيٌ شروط، ذلك أنٌ اللٌذٌة التي تحصل بإشباع الرٌغبات هيٌ لذٌة يخالطها الكثير من الألم والإفراط في طلبها لا يمكن أن يؤدٌي إلاٌ إلى التٌعاسة والهلاك. وفي الحقيقة يقدٌم أبيقور معنى جديدا للٌذٌة إذ اللٌذٌة عنده لا تكمن في إشباع الرٌغبة وإنٌما في غياب الرٌغبة وهي عندئذ غياب للألم الذي يصحبها.(عبد المنعم الحفني: المعجم الشامل ،19).

[15] مصطفى النشار : رؤية الإنسان في الفكر اليوناني ، مجلة التسامح ،العدد26 ، مسقط  2009م ،ص15

[16] عبد الرحمن بدوي : موسوعة الفلسفة ، بيروت 1984م ،ج1ص145.

[17] محمد بن محمد ابو منصور الماتريدي: نسبة إلى ماتريد من سمرقند من أئمة علماء الكلام وتنسب إليه الفرقة الماتريدية في الأصول، له العديد من المؤلفات منها كتاب التوحيد وكتاب تأويلات أهل السنة . توفي في سمرقند.( قاسم بن قطلوبغا:تاج التراجم في طبقات الحنفية، ب د ،ص20؛ الزركلي : الأعلام،7/19).

[18] علي عبد الفتاح المغربي : إمام أهل السنة والجماعة أبو منصور الماتريدي وآراؤه الكلامية، القاهرة2009،ص77.

[19] البيروني ،محمد بن أحمد، أبو الريحان البيروني الخوارزمي: فيلسوف رياضي مؤرخ، من أهل خوارزم.

أقام في الهند بضع سنين، ومات في بلده، اطلع على فلسفة اليونانيين والهنود، له الكثير من المصنفات.(الزركلي: الأعلام،5/314).

[20] أنظر: كتاب تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة . القاهرة 2003 ، ص 20 وما بعدها.

[21] محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي؛  المعروف بمولانا جلال الدین الرومي.العالم والفقيه المربي. عرف بالرومي لأنه قضى معظم حياته لدى سلاجقة الروم في تركيا الحالية. انتقل مع أبيه واستقر في قونية في عام 632 هـ / 1226م حيث لقي الرعاية من الأمير السلجوقي “علاء الدين قبقباذ”، واختير للتدريس في أربع مدارس بـ”قونية”. يعد من ابرز مفكري الإسلام. ابرز مؤلفاته المثنوي.(للمزيد أنظر:أبو الحسن الندوي : رجال الفكر والدعوة في الإسلام ، دمشق2002،391 وما بعدهما).

[22] حسن كامل الملطاوي : الصوفية في إلهامهم ، القاهرة 2002 ،ج2 ص331.

[23] المثنوي، ترجمة ودراسة : محمد عبد السلام كفافي ، بيروت1966 ،ج1ص169.

[24] البقرة ، 55.

([25] رانكه: أشهر المؤرخين الألمان في القرن التسع عشر. ويعتبره البعض مؤسس المنهج العلمي للتاريخ . ألف عدة كتب منها تاريخ الأمم اللاتينية والتوتونية. وفي هذه المؤلفات استخدم مصادر كانت تعد جديدة آنذاك مثل: المذكرات والمفكرات والرسائل والاستعانة بشهود عيان.( Krieger L., Ranke : The Meaning of History, Chicago 1977).

[26]) هنري توماس بكل: مؤرخ انجليزي ،اشتهر بكتابه: تاريخ الحضارة في انجلترا  . (أنظر:        Wikipedia,Henry Thomas Buckle         ).

[27] لامبرخت: أستاذ جامعي ألماني له العديد من الدراسات مثل: تقدم معايير التطور التاريخي والغاية القديمة والحديثة للمعرفة التاريخية.ومنهج تاريخ الحضارة ( أنظر: كاسيرر: المعرفة التاريخية، 127 حاشية 2، 3، 4، 5، 6Britannica,Lamprecht .).

[28]  كاسيرر،آرنست :في المعرفة التاريخية، ترجمة أحمد حمدي محمود، القاهرة 1997،ص74.

[29] كارل بوبر: أشهر فلاسفة العلم والمنهج العلمي، هاجر من موطنه النمسا عام 1929، إلى نيوزلندا حيث عمل في الجامعة، ثم استقر في انجلترا، حصل على لقب “سير” وخمس عشر دكتوراه فخرية، من كتبه المنشورة: “منطق الكشف العلمي” وعقم النزعة التاريخانية” وهو الكتاب الذي هاجم فيه نظريات تفسير التاريخ، (انظر: بوبر، كارل: أسطورة الإطار، تحرير: مارك ر.بوبر، ترجمة: يمنى طريف الخولي، الكويت2993، 317).

[30] أنظر : بوبر ، كارل : أسطورة الإطار، 110 وما بعدها.

[31] مصطفى النشار : رؤية الإنسان في الفكر اليوناني ، مجلة التسامح ،العدد26 ، مسقط  2009م ،ص16 وما بعدها.

[32] ليبنتز جوتفريد ولهلم ,Liebinz: ولد في ليبزنغ سنة 1646 تلقى تربية راقية في فرنسا حتى علم 1672 حصل على شهادة اللسانس في الفنون سنة 1663 في ليبزنغ دخل كلية الحقوق ورفض لقب دكتور بسبب صغر سنة لكنه حصل على هذا اللقب في السنة نفسها من جمعية التدروف ، ثم دخل السياسة فأصبح مستشار في البلاط توفي سنة 1716 في عزلة تامه (Wikipedia,Liebinz)

[33] باروخ سبينوزا Baruch Spinoza:ولد في عام 1632م في أمستردام، هولندا، عن عائلة من أصل يهودي تنتمي إلى طائفة المارنيين. ، دخل في صراع مع المجتمع اليهودي بسبب إدّعائه أن الله يكمن في الطبيعة والكون، وأن النصوص الدينية هي عبارة عن استعارات ومجازات غايتها أن تعرّف بطبيعة اللهّ( انظر:عبدالرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة،1/136 وما بعدها).

[34] أوغست كونت (1798-1857)عالم اجتماع وفيلسوف فرنسي، يعتبر نفسه مؤسس علن الاجتماع،دعا الى المنهج الحسي في المعرفة، ويعد المؤسس للفلسفة الوضعية. ولد في مدينة مونبلييه. وتخرج من مدرسة البوليتكنيك، ثم عمل سكرتيرا عند الفيلسوف سان -سيمون الذي كان لأفكاره أثر كبير على نظرياته التي عرضها فيما بعد في أهم مؤلفاته: “محاضرات في الفلسفة الوضعية” و”نظام في السياسة الوضعية”.(عبدالرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة،2/311).

[35] عبد الوهاب الكيالي وكامل زهيري : الموسوعة السياسية ، بيروت 1974م ص 380

[36] مصطفى النشار : رؤية الإنسان في الفكر اليوناني ، مجلة التسامح ،العدد26 ، مسقط  2009م ،ص18

[37] كميل الحاج : الموسوعة،613 ؛عبد الرحمن بدوي : الموسوعة الفلسفية،2/273.

[38]  فوزية شمسان : روجية جارودي، الرؤية والتغيير، صنعاء2003،ص13،14.

[39] ألبرت أينشتاين (Einstein  (Albert عالم في الفيزياء النظرية. ولد في ألمانيا، لأبوين يهوديين، وحصل على الجنسيتين السويسرية والأمريكية. يشتهر أينشتاين بأنه واضع النظرية النسبية الخاصة والنظرية النسبية العامة الشهيرتين اللتان حققتا له شهرة إعلامية ، حاز في العام 1921 على جائزة نوبل في الفيزياء. بعد تأسيس دولة إسرائيل عرض على أينشتاين تولي منصب رئيس الدولة في إسرائيل لكنه رفض مفضلا عدم الانخراط في السياسة .(عبدالرحمن بدوي: ملحق موسوعة الفلسفة،42).

[40] بدوي عبد الفتاح: فلسفة العلوم،253 ؛بول ديفيز و جون جريبين: أسطورة المادة،صورة المادة في الفيزياء الحديثة، ترجمة:علي يوسف علي،القاهرة1998،ص18 وما بعدها.

[41] بدوي عبد الفتاح : فلسفة العلوم، 266. قائل العبارة الفيلسوف هربرت كار H.W.Carr

[42] بدوي عبد الفتاح : فلسفة العلوم، 266.

[43] شارلز ساندرز بيرس: فيلسوف وعالم رياضيات وعلوم أمريكي. ولد في ماساشوستس1839م.وله إسهامات كبيرة في علم المنطق.(Wikipedia,C.S.Peirce).

[44] رسل: حكمة الغرب،244.

[45]  فوزية شمسان: روجيه جارودي،40.

[46] الندوي : رجال الفكر والدعوة في الإسلام ،1/409.

[47] فتح الله كولن : صورة قلمية لرجل القلب ،مجلة حراء ، العدد الرابع عشر ، السنة الرابعة ، يناير –مارس 2009.

[48] عانت أوروبا منذ القرنين17 و 18 من إشكالية الاختيار بين الدين أو العلم. وذلك بسبب موقف الكنيسة من العلم . فاختارت أوروبا العلم وتنكرت للدين تحت شعار فصل الدين عن الحياة. وهي القطيعة المستمرة حتى اليوم . (أنظر : أحمد محمود صبحي : في فلسفة التاريخ ، الإسكندرية 1975م،ص184 وما بعدها) ومن المعلوم أن هذه المشكلة لاتوجد عند المسلمين لأنهم أمة اقرأ، إذ طلب العلم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة.

[49] فوزية شمسان: روجيه جارودي،56.

[50] عبد الحليم محمود : التفكير الفلسفي في الإسلام ، القاهرة 2006 ، ص 136 ، 137.

[51] عبد الرحمن الزنيدي: مصادر المعرفة ،4؛ أنظر أيضا : عبد الرحمن بدوي : موسوعة الفلسفة ،1/192 وما بعدها.234

[52] جورج صدقني: افلوطين ، الموسوعة العربية. http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=1229

[53] أفلوطين فيلسوف شهير من العالم القديم و يعتبر مؤسس الأفلاطونية الحديثة (بجانب أستاذه أمونيوس ساكاس).وكانت الأفلاطونية الحديثة لها تأثير كبير في العصور الوسطى أشهر مؤلف له هو كتاب التاسوعات.(عبد الرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة،1/191 وما بعدها).

[54]  عبده الشمالي: دراسات في تاريخ الفلسفة العربية الاسلامية ، بيروت1979، ص80.

[55] ماهر عبد القادر محمد و حربي عباس عطيتو: اتجاهات التفكير الفلسفي في العصور الوسطى ، الاسكندرية ،2007،ص99-100.

[56] عبد الرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة،1/208.

[57]  سان اوغستين: رجل دين مسيحي، له العديد من المؤلفات أشهرها : مدينة الله ، والاعترافات، تنسب إليه نظرية العناية الإلهية في التاريخ.(رأفت الشيخ: تفسير مسار التاريخ، القاهرة 2000،ص37 وما بعدها).

[58] عبد الرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة،1/250.كان أحيانا يثور جدل بين المفكرين المسيحيين في العصور الوسطى حول مناهج المعرفة هذه.( أنظر على سبيل المثال :عبد القادر احمد اليوسف: العصور الوسطى الاوروبية، بيروت 1967،ص214).

[59] عبد الرحمن بن زيد الزنيدي: مصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي ، الرياض 1992،ص231.

[60] عبد الرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة،1/333.

[61] عن منهج الفيدا في المعرفة أنظر : يوجي، المهراجا ماهيش: الاتصال بالأعماق ، ترجمة عبد الوهاب الصادق ، ب د ، ص 47 و ما بعدها. وأنظر أيضاً : زيعور، علي : الفلسفات الهندية ، بيروت 1983م ص 104ومابعدها.

[62]  رئيس الهند الأسبق ، واحد ابرز علمائها وأساتذتها الأكاديميين في الدين والفلسفة،كان أستاذا لفترة في جامعة اكسفورد.((Wikipedia, Radhakrishnan

[63] عبد الرحمن بدوي : موسوعة الفلسفة ،1/514.

[64] أنظر : 2007 , USA Love, Pray, , Eat  , Elizabeth. , Gilbrrt.

[65] أنظر: صحيفة الشرق الأوسط، عدد4/5/21010م .

[66] للمزيد عن الحركة الروحانية أنظر : Wikipedia, Spiritism

Britannica, Spiritism.                                                                                                 –

-Liljencants, Braon Johan., Spiritism and Religion, A Moral Stndy, UK, 1918.

وعن نقد الروحانية الغربية أنظر: عبد الحليم محمود : المدرسة الشاذلية ، قضية التصوف ، القاهرة ب د ص 315 وما بعدها.

[67] رؤوف عبيد: الإنسان روح لا جسد ، القاهرة 1966، ج1، ص 508.

[68] رؤوف عبيد : الإنسان روح لا جسد ، 1/  507 ، 508.

[69] رءوف عبيد: الإنسان روح لا جسد ، 1/515م ؛ كولن، ولسن: الإنسان وقواه الخفية ، ترجمة سامي خشبة، بيروت 1980 ص8.

[70] قوة عقلك الباطن ، مراجعة ايان ماكماهان ،الرياض2008 ، ص29.

[71] للمزيد عن نظرية شبنجلر أنظر: احمد محمود صبحي: في فلسفة التاريخ، 2004،ص245 وما بعدها.

[72]  النموذج التاريخي لهذا الصراع المناهجي كما حدث بين برنارد اوف كليرفو الذي قال الإيمان إحساس وشعور وبين بيتر ابيلارد الذي قال الله عز وجل وهب العقل للإيمان به ومعرفة الدين.( أنظر: عبد القادر احمد اليوسف: العصور الوسطى الأوروبية، بيروت 1968،ص214).

[73]  أنظر: التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر: شرح العقائد النسفية، ب د ،ص13 وما بعدها.

[74]  انظر على سبيل المثال: حربي عباس عطيتو و حسان حلاق: العلوم عند العرب ، أصولها وملامحها، ب د.

[75] مصنف ابن أبي شيبة ،8/167 ؛ البيهقي ، شعب الإيمان ،1/130

[76] تفسير ابن كثير ،1/581.

[77] البيهقي، شعب الإيمان،11/20. للمزيد عن أهمية العقل في الإسلام أنظر: محمد حمدي زقزوق: المنهج الفلسفي بين  الغزالي وديكارت، القاهرة 1973،ص25 وما بعدها.

[78] رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم 7369؛ الترمذي رقم3052 ؛ الشهاب القضاعي في مسنده رقم622.

[79]  رواه البخاري رقم 3210 و3413 ورواه مسلم رقم 4411 وغيرهم.

[80] رواه الترمذي 2914 والنسائي في السنن الكبرى رقم11051 والطبراني في المعجم الكبير رقم8454 وابن حبان في صحيحه رقم 1002.

[81] رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم3289؛ ورواه عبد الرزاق في مصنفه رقم20114؛ وابن أبي شيبة في مصنفه برقم ؛والبيهقي في شعب الإيمان برقم7210194.

[82] أنظر : الطبري : تاريخ الرسل والملوك ،ج2ص397،398 ؛ ابن الأثير : الكامل في التاريخ ،ج1ص467 ؛ وللمزيد عن المعرفة القلبية أنظر : الغزالي ، أبو حامد محمد بن محمد : أحياء علوم الدين، القاهرة 2004، ج 3 ص3 وما بعدها.

[83] نهج البلاغة ، ضبطه ووضع فهارسه العلمية :صبحي الصالح، بيروت1967،ص337.

[84] أنظر على سبيل المثال: الواقدي، ابو محمد عبدالله بن عمر(ت207هـ) : فتوح الشام،ب د ،ج1ص 220 ؛الذهبي، ابو عبدالله شمس الدين محمد (ت748هـ):تاريخ الإسلام،ب د،ج10ص351؛ ابن خلدون عبدالرحمن بن محمد (ت1332هـ) :كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر ،ب د ،ج6ص369 ؛ المقدمة، ب د،ص ؛ البكري الدمياطي ، ابوبكر السيد (1302هـ):إعانة الطالبين ،ب د ،ج1ص210 ؛ البجيرمي، سليمان بن محمد(ت1131هـ) : تحفة الحبيب على شرح الخطيب ،ب د ،ج1ص15 ؛ الشوكاني،محمد بن علي(1250هـ): البدر الطالع ،ب د ،ج1ص 120،276،277 ؛ المناوي ، عبدالرؤف(1031هـ): فيض القدير شرح الجامع الصغير،ب د ،1/448،2/424 ؛ أطفيش، محمد بن يوسف بن عيسى(1332هـ): شرح النيل وشفاء العليل ، ب د ،ج34ص332؛ ابن تيمية ،أحمد عبد الحليم ، مجموع فتاوى ابن تيمية ، ب د ،ج 1 ص 186،ج2ص242، ج4ص240 ؛  الألوسي، شهاب الدين محمود(1270هـ) : روح المعاني في  تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،ب د ،ج6ص464. الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر(ت606هـ): مفاتيح الغيب،ب د ،ج1ص168،ج13ص253؛ البقاعي، إبراهيم بن عمر(885هـ): نظم الدرر في تناسب الآيات والسور،ب د ،ج7ص244 ؛ النيسابوري، نظام الدين حسن القمي(ت728هـ): تفسير النيسابوري،ج1ص152،ج5ص131؛ ابن عاشور، محمد الطاهر التونسي(ت1393هـ) :التحرير والتنوير، ب د ،ج6ص160؛ ابن عجيبة، أحمد بن محمد الحسيني (ت1224هـ): تفسير ابن عجيبة، البحر المديد،ب د ،ج5ص186،ج5ص311، السيوطي ،جلال الدين(ت911هـ): شرح سنن النسائي،حلب 1986 ،ج2ص488؛ البيطار،عبدالرزاق(ت1335هـ): حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر،ب د ،ج1ص328.

[85] أنظر: الغزالي:إحياء علوم الدين،2/25 ومابعدها.

[86] الشوكاني : البدر الطالع ،1/267. أشار الأستاذ الدكتور محمد الكمالي إلى شمول المعرفة الحسية والعقلية والقلبية في المنظور المعرفي عند المقبلي. أنظر: محمد محمد الكمالي: المنظور المعرفي عند العلامة المقبلي ، مجلة كلية الآداب ، المجلد32،العدد2 يوليو-ديسمبر2009،صنعاء،134،136.

[87] أنظر: محمد محمد الكمالي:أصالة المذهب المعرفي عند الكندي ، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، جامعة صنعاء،المجلد32، العدد1 يناير- يونيو2009،ص35.

[88] حسن كامل الملطاوي: الصوفية في إلهامهم ، القاهرة 2002، ج1ص11.

[89] إحياء علوم الدين ، القاهرة 1424هـ/2004م،ج1ص31.

[90] عبده الشمالي: تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية وآثار رجالها، بيروت1979،ص511.

[91] أبو الحسن الندوي : رجال الفكر والدعوة في الإسلام ، الكويت1969،ص337.

[92]  رواه البخاري رقم 6021 .

[93] عبد الحليم محمود : التفكير الفلسفي في الإسلام ، 136، 137 ؛ أنظر أيضا :حاجي خليفة: كشف الظنون،ب د ،ص 676.

[94]  المقدمة ، ب د ، ص 467 ، 475 ؛  أنظر أيضاً الغزالي ، إحياء علوم الدين ، 3/25 . يعرف البعض كشف حجاب الحس أنه خروج الروح من الجسد يقظة مع عدم الانفصال النهائي عنه.

[95] أنظر أيضا : عبد الحليم محمود : التفكير الفلسفي في الإسلام ،134.

[96] مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، بيروت 1973،ج3ص182.

[97] الألوسي : روح المعاني ،5 /63.

[98] الفتح الرباني ،ب د ،ج2ص1043-1055؛ صديق بن حسن القنوجي: أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم  تحقيق / عبد الجبار زكار، بيروت 1987 ، ج2 ص370 ، 371 .

[99] الرندي ، أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن عباد النفري(ت792هـ) : غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية ، تحقيق عبد الحليم محمود ومحمود الشريف، القاهرة ب د ،ص 380،381.

[100] عبد الحليم محمود : قضية التصوف، المدرسة الشاذلية ، 75.

[101]  التادفي : قلائد الجواهر ،165.

[102] عبدالفتاح اليافعي : المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك،صنعاء1428هـ-2007م،ص 101،نقلا عن حاشية العدوي على شرح الزرقاني،3/195 ومرقاة المفاتيح لملا علي القاري، 1/478 ؛ حسن كامل الملطاوي: الصوفية في إلهامهم ، ج1ص198.

[103]  عبد الحليم محمود : التفكير الفلسفي في الاسلام ، 140،141.

[104] تفسير ابن كثير ، ج6 ص296.

[105] إحياء علوم الدين ،1/39.

[106]  أحمد بن عبد الحليم بن تيمية(ت 728هـ ): من فقهاء الحنابلة ، ظهر في القرن الثامن الهجري ، صدرت منه فتاوى خالف فيها جمهور علماء المسلمين ، منها شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فصدر ضده حكم بالحبس ، ثم خرج منه ولم يلبث ان عاد إليه وتوفي رحمه الله في السجن. دافع عن التصوف السليم وهاجم ما اسماهم صوفية الأرزاق والرسوم ، وشرح أهم كتاب في التصوف : فتوح الغيب للإمام عبد القادر الجيلاني. للمزيد أنظر ابن حجر : الدرر الكامنة ،1/46. مجموع فتاوى ابن تيمية ، ج11ص50 وما بعدها.

[107] مجموع فتاوى ابن تيمية ، 1 / 186.

[108] مجموع فتاوى ابن تيمية ،4/240.

[109] السهروردي ، شهاب الدين أبو حفص عمر بن احمد (ت 632هـ ) :عوارف المعارف ، القاهرة 1425- 2004، ص 167، 202 ؛ النفري : غيث المواهب، 380،381 .

[110] صديق القنوجي: أبجد العلوم ، 1/400.

[111] بقول النورسي:”اعلم ان المعلومات الآفاقية لاتخلو عن الأوهام والوساوس. وأما إذا استندت إلى الأنفس واتصلت بالوجدانيات و المشعورة بالذات ، تصفت عن الاحتمالات المزعجة. فانظر من المركز إلى المحيط، ولا تعكس فتنتكس”.المثنوي العربي النوري، القاهرة 2003، ص226

[112] ابن عربي ، محيى الدين (ت638هـ) :تنزل الأملاك من عالم الأرواح إلى عالم الأفلاك،وضع حواشيه: عبد الوارث محمد علي ،بيروت 2000م،ص16.

[113] أنظر : خالد محمد خالد : قصتي مع التصوف ، القاهرة 2004،ص107،108.

[114] محمد الراشد : وحدة الوجود ،172.

[115] أنظر على سبيل المثال : أبو الحسن الندوي : رجال الفكر والدعوة ،1/425.

[116] ابن الجوزي، عبد الرحمن: دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، تحقيق/حسن السقاف، عمان1992 ، ص99،100 .

[117] أنظر : عبد الحليم محمود ، المنقذ من الضلال ، قضية التصوف، القاهرة ب د ؛أحمد عرفات القاضي: الفكر التربوي عند المتكلمين المسلمين ، القاهرة 1996 ،ص65 وما بعدها.

[118] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ، ب د ، ج1ص41.

[119] عبد القادر محمود : دراسات في الفلسفة الدينية والصوفية والعلمية ، بيروت1978 ،ص374 ، 375.

[120] عبد الحليم محمود : التفكير الفلسفي في الإسلام ، 138،139.

[121] أنظر : غرين ، برايات : الكون الأنيق ، ترجمة فتح الله الشيخ ، بيروت 2005،ص139 وما بعدها.

[122] إحياء علوم الدين ،1/8.

[123] النفائس العلوية في المسائل الصوفية ،ب د 1414،هـ/1993م،ص78.

[124] الرازي : مفاتيح الغيب ،ج1ص132.

تعليقات

المشاركات الشائعة