ضرورة المحبة وأهمية المذاهب الإسلامية (ندوة التعايش بين المذاهب)



 

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

   يعتقد البعض أن اختلاف المسلمين إلى مذاهب ثلمة في الإسلام، أو ربما عيب، أو خلل في الدين، والصحيح هو العكس أن ذلك من عظمة الإسلام، وقوته وقدرته على احتواء اختلافات البشر، فكما قال أحد العلماء: "من لم يعرف حكمة التعدد والاختلاف ما عرف حقيقة التوحيد"، فالله هو الواحد أما البشر فمن الطبيعي اختلافهم وتعدد أفهامهم، ومن عظمة الإسلام قدرته على احتواء هذه البيانات من خلال المذاهب الإسلامية، والحقيقة أن المذاهب الإسلامية مهمة في الدين الإسلامي، لأنه إذا كان الفقه هو علم استنباط الأحكام من الكتاب والسنة فإن المذهب هو منهج استنباط واستخراج الأحكام من الكتاب والسنة، وبالتالي فإن الدعوة إلى إلغاء المذاهب؛ هي دعوة لفوضى منهجية في فهم واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة.

   فعلى سبيل المثال لدينا في اليمن المذهب الشافعي، والزيدي أي أنه لدينا منهجين اثنين في فهم واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، وإلغاء المذاهب يعني فوضى منهجية، وأنه سيكون لدينا عشرون مليون فهم للكتاب والسنة على عدد الشعب اليمني، وليس المقصود هنا الفهم الذاتي للكتاب والسنة.

   فلكل إنسان الحق في فهم الكتاب والسنة على قدره، ولكن المقصود فهم أحكام المعاملات والعبادات وغيرها من أمور التشريع الإسلامي.

   إذن قضية الحفاظ على المذاهب قضية مهمة جداً، بل وضرورة إسلامية ودينية حتى نمنع السقوط في فوضى الأحكام، والأفهام المختلفة للإسلام والتي ربما يحكمها الهوى والأعراف المشبوهة بل وربما تتدخل فيها الأيادي الخفية.

   لكن أيضاً مع قضية الاختلاف المشروع في مناهج استنباط وتفسير الأحكام (أي المذاهب) هناك قضية أخرى مهمة جداً بل وضرورية وهي قضية المحبة بين المسلمين يقول الحبيب المصطفى ﷺ: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم".

   هنا الحبيب ﷺ ربط بين الإيمان والمحبة والمقصود كمال الإيمان، أما الإسلام المقصود فليس مجرد السلام بالأيدي ولكن السلام بمفهومه الشامل، الذي يعني فيما يعنيه السلام الاجتماعي، أو السلم الاجتماعي.

   ويعني أن المسلم لا يؤذي أخاه، ولا يغتابه، ولا يحقره، ولا يكفره، ولا يثأر عليه، ولا يأخذ حقوقه أو ينتهب ماله، ولا يخذله ولا يسلمه، السلام بمعناه "الشامل".

  ويقول الحبيب المصطفى ﷺ: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى ثقافة المحبة بدلاً عن ثقافة الكراهية، وبحاجة إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف لمواجهة هذه التحديات الهائلة التي تواجه المسلمين اليوم.

  والمحبة منهج النبي ﷺ في بناء المجتمع المسلم الواحد حيث آخى بين المهاجرين والأنصار أُخوة المحبة لترابط وتماسك المجتمع المسلم. على أنه أمام قضية المحبة وضرورتها تبرز إشكالية خطيرة تعيق تحقيق هذا الهدف والمطلب بشكل كبير.

   وهو النظام والمنهج التعليمي والتربوي الحالي، وغياب علم تزكية النفس (وهو أحد أهم علوم الإسلام والدين) من هذا النظام، وتحول دراسة الدين لمجرد حفظ نصوص، وعلوم الظاهر، الأمر الذي أدى إلى التغييب التام للجانب العملي والسلوكي والأخلاقي والقلبي في العملية التعليمية مما اخرَّج أجيال تحفظ النصوص لا تعمل بها، وغاب تماماً عنها جانب القدوة التربوية.

  فلذلك يعد إصلاح النظام التعليمي بإدخال علم التزكية النبوية، وهو العلم الذي يهتم بالجانب العملي والتطبيقي والقلبي للمسلم، هو التحقيق لتطبيق مقاصد الإسلام وأخلاقه من محبة وتعايش وسلام في المجتمع الواحد.

   بل نستطيع أن نقول إنه بإصلاح النظام التربوي والتعليمي يمكننا أن نواجه أي أزمات يمكن أن تهدد المجتمع من أزمات اقتصادية، أو اجتماعية، أو سياسية لأن ترسيخ قيم الدين الحقيقية ضمانة لتحقيق السلم الاجتماعي والتعايش الإيجابي بين فئات المجتمع المختلفة، وحصانة له من الفتن والتمزق والانحرافات الفكرية والعقدية الخطيرة التي نراها اليوم تهدد بعض المجتمعات الإسلامية.

   نسأل الله أن يحفظ اليمن من شر الفتن ويحقق فيها ما قاله الحبيب المصطفى ﷺ: "الإيمان يمان والحكمة يمانية".

والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة